“الشيرازيون”.. قلوبٌ شتى وأفهامٌ مختلفة! – 2

حسن المصطفى31 مارس 2018آخر تحديث :
“الشيرازيون”.. قلوبٌ شتى وأفهامٌ مختلفة! – 2

قبل أكثر من خمسة أعوام، أثارت تصريحات أطلقها السيد أحمد الشيرازي، حول ما سماه “مستحبات ربيع الأول”، أثارت ردود أفعال مستنكرة عدة، خصوصاً أن والده آية الله السيد صادق الشيرازي، يعتبر أحد مراجع الدين البارزين للمسلمين الشيعة.

حديث الشيرازي الابن الذي انطلق من موقف مذهبي متطرف، علق عليه حينها د.توفيق السيف في يناير 2013، واصفا السيد أحمد بأنه “رجل دين صغير السن”، في دلالة على قلة علمه ومحدودية تجربته. معتبراً حديثه “يخلو من العلم والحكمة والورع”، وأنه “يمتلئ بالخرافة والكراهية”.

السيف الذي كان سابقاً الأمين العام لـ”الحركة الإصلاحية” في السعودية، قبل أن تعود إلى المملكة قبل نحو 24 عاماً، كانت تربطه علاقة وطيدة بالمرجع الراحل آية الله السيد محمد الشيرازي، عم السيد أحمد، وهي العلاقة التي تحدث عنها السيف بقوله “عشت مع آية الله السيد محمد الشيرازي سنين طويلة وعرفته عن قرب، فلم أسمع منه يوما كلمة نابية، ولا كلاما ينم عن كراهية لأحد. كذلك كان زميلي نجله المرحوم السيد محمد رضا”. مشيرا بذلك إلى التناقض بين سلوك العم وابن أخيه، وهو السلوك الذي يرى السيف أنه “يسيء إلى مكانة والده السيد صادق الشيرازي، كما يسيء إلى جميع الشيعة”.

منتصف الثمانينات من القرن الماضي، كان مجموعة من شباب “منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية” في زيارة إلى السيد محمد الشيرازي في منزله بمدينة قم الإيرانية. تحدث خلالها أحدهم متبرما، قائلاً إن “الرجعيين لا يعطوننا مجالا للتحرك والعمل، ويضيقون علينا”. وإذا بالسيد الشيرازي الذي يعرفُ بهدوئه، تتغير ملامح وجهه، ويبدو عليه الغضب، كما يروي لي القصة أحد الحضور، مبيناً “كانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها السيد غاضبا، على غير عادته. وإذا به ينهر صاحبنا عن وصف الآخرين بالرجعيين، ويحذره من طغيان النفس البشرية، وأن عليه أن يعمل ويدع الآخرين يعملون، وأن الساحة تتسع للجميع “.

العلامة الشيخ عبد الكريم الحائري، أستاذ “بحث الخارج” في الحوزة العلمية بمدينة كربلاء العراقية، والذي حضر دروس آية الله محمد الشيرازي لنحو 18 عاماً، وفي محاضرة له نشرت عبر “يوتيوب”، تحدث بشكل صريح منتقدا تصرفات قيادات في التيار الشيرازي، معتبرا أن “المدرسة المعروفة بالخلق انهارت في بعض جوانبها، وبدأت بالشتائم والسباب”. متسائلا لماذا نرى عيوب الآخرين ولا نشاهد عيوبنا، ومعتبرا أن هذا السلوك هو “نوعٌ من الفرعنة”، في تعليق غير مباشر منه على كلمة السيد حسين الشيرازي، والتي وصف فيها المرشد الإيراني آية الله خامنئي بـ”الفرعون”.

الحائري واصل حديثه في درسهِ متسائلا “أين شورى الفقهاء منا؟. فنحن نستخدم ولاية الفقيه كما يستخدمها الآخرون”، مضيفا “نحن ضدها لسانا، لكننا نعمل بها”. مطالبا قيادات “آل الشيرازي” بعدم التفرد بالقرار والمواقف الشخصية، التي تنعكس آثارها على عموم الجماعة، قائلا “استشر جماعتك.. ثلاثة أرباع جماعتك غير راضين على هذا الوضع”.

موقف العلامة الحائري هذا، أثار امتعاضا وسط “الصقور” في بيت آل الشيرازي، فيما هنالك أصوات أخرى مؤيدة له، أبدت تململها مما آل إليه أمر البيت المرجعي الذي كان في مرحلة سابقة، رائدا في طرحه الذي تجاوز فيه المرجعيات الدينية الكلاسيكية. وأغلب هذه الأصوات الممتعضة تنتمي للرعيل الأول الذي خاض التجربة الدينية والسياسية باكرا مع المؤسس السيد محمد الشيرازي. إلا أن المشكلة التي تواجه هؤلاء المعترضين أنهم لا يشكلون تيارا، وأن انتقاداتهم مازالت غير ظاهرة للعيان.

هذا التباين في وجهات النظر يعكس حقيقة قائمة على أرض الواقع تعود إلى ستينيات القرن المنصرم، وهي أن “الشيرازيين” ليسوا تيارا واحدا متطابقا، وإنما مجموعة واسعة من الأتباع، لهم آراء متعددة، ومواقف مختلفة سياسية وفقهية وفكرية حد التضارب!. هم مزيج “غير متزن” متناقض، يجمع بين الحركية والرجعية والوعي والتخلف في آن معا، كما تصف إحدى القيادات السابقة في التيار في حديث لي معها.

بالعودة إلى البدايات، كانت هنالك وجهتا نظر، الأولى تبناها الراحل السيد حسن الشيرازي، والذي اغتيل في العاصمة اللبنانية بيروت 1980، على يد مجموعة مسلحة تابعة لحزب البعث العراقي، كما يدعي أنصاره. السيد حسن كان يؤمن بأنه على المرجعية أن تكون على تواصل مباشر مع “الأمة”، ومن خلال هذا التواصل تدير شؤون الناس، وتعمل على نشر الدعوة، دون الحاجة لقيام أحزاب وتنظيمات إسلامية تقوم بهذا الدور. وهو في هذا الصدد ألف كتابه “كلمة الإسلام”، الذي ينتقد فيه الأحزاب، ويؤسس للمرجعية المرتبطة بالأتباع دون وسائط تنظيمية.

من جهته، كان آية الله السيد محمد تقي المدرسي، يعتقد أن وجود الأحزاب أمر ضروري، وأن هذه التنظيمات يجب أن تعمل تحت مظلة المرجعية الدينية، وهي بدورها تطبق برنامجها الإسلامي بين عامة الناس. راسما إطارا نظريا لذلك في كتابه “القيادة الإسلامية”.

وجهة النظر التنظيمية التي تبناها المدرسي، أنتجت “حركة الطلائع الرساليين”، والتي انضوت تحتها ثلاثة أحزاب رئيسة:

1. “منظمة العمل الإسلامي”، والتي اهتمت بالساحة العراقية، وكان أمينها العام الراحل الشيخ قاسم الأسدي، والأب الروحي لها السيد محمد تقي المدرسي.
2. “الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين”. وكان أمينها العام الشيخ محمد علي المحفوظ، الذي أسس بعد عودته إلى البحرين “جمعية العمل الإسلامي – أمل”، قبل أن تحلها السلطات وتوقف عددا من قياداتها، عقب تظاهرات وأحداث فبراير 2011. فيما الأب الروحي لها كان السيد هادي المدرسي، الذي عرف بخطابه الثوري والحماسي.
3. “منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية”. والتي كان يتزعمها الشيخ حسن الصفار، وتبدل اسمها تاليا إلى “الحركة الإصلاحية”، ليُحل التنظيم تاليا ويعود أفراده إلى السعودية 1993.
آية الله محمد الشيرازي، والذي له سبقُ التأسيس لهذا التيار، كان المظلة الواسعة، التي تحظى بثقة واحترام مريديه، وكان يمتلك شخصية قوية وجذابة وقادرة على الإقناع، بحيث عمل على ضبط إيقاع التباينات الداخلية بين أتباعه. إلا أن وفاته العام 2001، جعلت تياره يعيش فراغا قياديا، لم يستطع أخوه السيد صادق سده، رغم تسلمه منصب المرجعية، وحيازته على الشريحة الواسعة من المقلدين.

بقي الأتباع أوفياء للذاكرة التاريخية للسيد محمد الشيرازي، واحترام شخوص هذه الذاكرة. وعقائديا، يتشاركون في الطقوسية والذهنية “الولائية” التبجيلية لأئمة أهل بيت الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، في منهج أقرب للطريقة “الشيخية” المغالية في محبتها.

هذا الإرث المشترك لـ”البيت الشيرازي”، يتوزع حالياً على المجموعات التالية:

  1. مرجعية آية الله السيد صادق الشيرازي. وهو يمثل التيار التقليدي، البعيد عن التجديد. ويرجع له أغلبية مقلدي الراحل السيد محمد الشيرازي، في إيران والخليج والعراق وأفغانستان وباكستان وسواها. إلا أنه يفتقد للحداثة، ويركنُ إلى الأفكار “الغيبية” والاعتماد على روايات الرسول محمد وآل البيت والسرديات التاريخية دون تدقيق علمي رصين. يضاف لذلك صبغته “المذهبية” وحتى “الشتائمية”، وإن كان لم يصل إلى درجة التكفير.
  2. مرجعية آية الله السيد محمد تقي المدرسي. وتمثل نحو 10 – 15% من عموم جمهور آل الشيرازي. وهو تيار أقرب إلى “الإسلام السياسي”، ولا يتبنى مقولات التكفير أو الشتم تجاه المخالفين، ويعمل ضمن إطار الوحدة الإسلامية. إلا أنه في ذات الوقت فقد قدرته على تقديم أفكار جديدة، أو تطوير نظرياته في الفقه والحياة.
  3. تيار “الصقور” العقائديين. ويضم الكويتي ياسر الحبيب، والسيد مجتبى الشيرازي، وإن كانت بينهما بعض الخلافات العملية. إلا أن هذا التيار يفتقد للعمق العلمي، ويتصف بالسطحية، وباستخدام لغة مذهبية حادة وشتائمية غير معهودة بين علماء الشيعة. ولا يتورعون عن إطلاق أحكام “التفسيق” و”التضليل” و”التكفير” سواء تجاه مرجعيات ورموز شيعية وسنية، أو حتى تجاه صحابة الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم.
  4. الخارجون من عباءة آل الشيرازي. وهم مجموعة من الشخصيات المستقلة، غير المرتبطة مع بعضها البعض، إلا أنها عاشت لسنوات طويلة تعمل في ظل مرجعية السيد محمد الشيرازي. بعضها استقل باكرا، والآخرون وجدوا في وفاته فرصة للخروج إلى ما يعتبرونه تجارب جديدة أكثر انفتاحا وحداثة. ومن أبرز تلك الشخصيات: الشيخ أحمد الكاتب، والشيخ صادق العبادي، والشيخ حسن الصفار، والدكتور توفيق السيف، والشيخ قاسم الأسدي. وتمتاز هذه الأسماء بأن بعضها تحول إلى إسلامي وسطي أو تنويري، والبعض الآخر تبنى وجهات نظر نقدية وليبرالية مدنية.

هذا التنوع في البيت الشيرازي، يجب أن يقود إلى عدم التعامل مع جميع هذه الأطياف وكأنها خليط متجانس، أو انعكاس لظاهرة واحدة. لأن التباينات بينها حقيقية، وآخذة في التعمق يوما بعد آخر، خصوصا مع تتالي الأحداث والمواقف الجدلية التي تتصادم فيها الآراء.

اعتقال السلطات الإيرانية للسيد حسين الشيرازي، أثار نقاشا داخليا بين القيادات والأتباع، الذين وإن اتفق أغلبهم على مناهضة “ولاية الفقيه”، إلا أنهم يختلفون في التوقيت والأسلوب.

طريقة الاعتراض التي برزت عقب عملية الاعتقال، أظهرت حضورا إعلاميا لأتباع الشيرازي، على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي. الأمر الذي يطرح السؤال عن علاقتهم بالإعلام، وتجربتهم التاريخية في هذا الحقل، وهو ما ستتناوله الحلقة القادمة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة